دم مرسي في رقبة الجماعة قبل السيسي

الحرية تي في - الحرية تي في آخر تحديث : 21‏/6‏/2019 16:56

FB_IMG_1560790195134.jpg (204 KB)

موت مرسي إعدام دون عشماوي والسيسي مجرد واجهة لنظام متجذر ودم الرجل في رقبة الجماعة قبل العسكر .

1- كان بإمكان المشير عبد الفتاح السيسي إعدام محمد مرسي عقب محاكمة سريعة، فلائحة التهم جاهزة والآلة القضائية يمكن أن تسرع كما تبطأ، لكن ما منع الرجل من التنفيذ معطيان أولهما تجربة جمال عبد الناصر مع سيد قطب وماقادت إليه من رفع الأخير إلى مصاف الشهداء والقديسين، وثانيهما المناخ الحقوقي العالمي الذي لن يهضم إعدام رئيس منتخب، بالمقابل بات التخلص من مرسي أمرا ملحا لإغلاق ملف ثورة 25 يناير 2011.
يتوفر السيسي على الملف الطبي للرئيس مرسي الذي يعاني من مضاعفات السكري والقصور الكلوي وأمراض القلب، ومريض من هذه العينة لن يتحمل كثيرا في سجنه الانفرادي حتى في ظروف الاعتقال العادية فبالأحرى حين يكون معتقل من نوع خاص كمحمد مرسي ، لذلك كان الرهان على إطالة أمد المحاكمات التي تم فصلها عن بعضهما وما تنتهي محاكمة حتى تبدأ أخرى، بالموازة من ذلك كان ينبغي منع الغذاء والتطبيب عن المعتقل كما تحدثت عن ذلك أسرته والتقارير الحقوقية الدولية حتى لا يطول عمره الافتراضي ، لذلك لم يكن غريبا أن تخرج كل من منظمتي هيومن رايتس ووتش وامنستي أنترناسيونال عقب وفاة محمد مرسي ببيانين مستقليين تعتبران فيهما ظروف الاعتقال بمثابة تعذيب قاد للوفاة ، و لاشك في أن موت مرسي هو إعدام دون عشماوي (عشماوي هو جلاذ الإعدام في مصر) وبموته يكون السيسي قد نجح في طي آخر صفحة من 25 يناير 2011.
2- منذ 30 يونيو 2013، تطالعنا منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي تصور الرئيس السيسي بالغذر وبأنه عض اليد التي مدت إليه، لكن السيسي ليس إلا واجهة لنظام متجذر ولو لم يكن هو من انقلب على مرسي لفعل غيره.
حين اندلعت ثورة 25 يناير 2011 كان السيسي يشغل مديرا للمخابرات العسكرية، وفي نظام عسكري مثل النظام المصري، يعتبر مدير المخابرات العسكرية رجل التركيب والرجل الوحيد في البلد الذي يمتلك المعلومة الحقيقة والشاملة بحكم أن تقارير جميع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية ترفع إليه. كان الرجل متيقنا بأن ما فعله الجيش بعد عزل مبارك مجرد إنحاء تكتيكي للعاصفة وإن الجيش عائد بقوة لحكم مصر ولما لا يكون هو الحاكم، عمل على مشروعه بذكاء مستعملا الخداع الاستراتيجي ، كان عليه إزاحة أكبر منافسيه رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي وقائد الأركان الفريق سامي عنان وهو ما تأتى له عندما نصب لهما فخاخ كثيرة دون أن يظهر في الصورة وعندما نضجت فكرة إزاحتهما لدى مجلس إرشاد جماعة الإخوان والرئيس مرسي كان قد هيىء نفسه كبديل ، فعكس أغلب قادة الجيش الذين يشاع عنهم معاقرة الخمر، حاول الرجل أن يظهر لمرسي بمظهر الرجل الذي لا يفوت صلاة الفجر ولا صيام الاثنين والخميس ، انطلت الخطة على مجلس الإرشاد والرئيس مرسي الذين اعتبرا السيسي معتنقا لأفكار الجماعة وأنه أفضل من يمكن للجماعة أن تتعامل معه من قادة الجيش، فتمت تسميته وزيرا للدفاع عقب إحالة منافسيه طنطاوي وعنان على التقاعد.
حتى عندما عقد عزمه على الانقلاب على حكم الإخوان، لم يفعل ذلك على الطريقة الإفريقية حين يطلع الفجر ودبابات الجيش بالقصر الرئاسي، وإنما هيئ لحركته بغطاء إعلامي وشعبي تمثل في مظاهرات 30 يونيو 2013، فظهر كمن استجاب لنداء الشعب ، وحتى عندما أزاح مرسي ، لم يقفز على السلطة وإنما نظم مرحلة انتقالية قادته إلى عرش مصر بسلاسة كبيرة كفرعون جديد .
3- بعد أكثر من ثمانين سنة من العمل الدعوي والسياسي، كان منتظرا من جماعة الإخوان المسلمين أن تقرأ المشهد بعد ثورة 25 يناير 2011 القراءة الصحيحة، إلا أنها أظهرت سذاجة كبيرة حين قفزت على الثورة معتقدة بأن نظام العسكر قد سقط وأن الثوار هم من أسقطوا نظام مبارك، بينما يعرف حتى المبتدئون بأن حسني مبارك لم يسقط وإنما عزل من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي صفى معه خطأين قاتلين أولهما محاولة إعداد نجله لتسلم السلطة في إطار مسلسل التوريث في نظام يصعب فيه على الجيش أن يتقبل رئيس جمهورية لا ينتمي إلى القوات المسلحة ؛ وثانيهما أن الجيش لم يكن ينظر بعين الرضا إلى الامتيازات الاقتصادية التي كان يمنحها جمال مبارك لفئة رجال الأعمال في قطاعات إستراتيجية كانت حكرا على القوات المسلحة .
يعتقد كثير من المحللين أن أكبر خطأ وقعت فيه جماعة الإخوان المسلمين هي تصديها منفردة لقيادة مرحلة انتقالية حرجة كان ينبغي أن تشرك فيها جميع القوى الوطنية، متجاهلة نفوذ المؤسسة العسكرية القوية، ومخاوف فئات لابأس بها من الشعب المصري وعلى رأسهم الأقباط من دولة دينية مع أن مستقبل الديمقراطية مصر- أراد المصريون أم أبوا - لا يمكن أن يكون إلا في نطاق دولة مدنية، نهيك عن حسابات المحيط الاقليمي والجهوي التي لها وزنها في الساحة المصرية؛ فدول الخليج ترى بأن سقوط مصر أكبر قوة وازنة في المنطقة في يد الإخوان يعني امتداد الربيع العربي إليها، واسرائيل التي تدير العالم لا يمكن أن تسمح باستمرار نظام قد ينسق مع حماس وقد يهدد أمنها وأكبر مكاسبها ألا وهي اتفاقية كامب ديفيد والعالم الغربي في مجمله لا ينظر بعين الرضى لتسلم الإسلاميين للسلطة .
إذا صح ما نسب لمرسي من قوله " إحنا جايين نحكم ل500 سنة المقبلة " ، فإن جماعة الإخوان المسلمين قد أكدت ما يقال من تهافتها على السلطة دون إستراتيجية واضحة ونظرة بعيدة للأفق .
خلافا لمصر، أظهر الإخوان في تونس نضجا كبيرا في قرأتهم للمشهد السياسي، يرى الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بأن صناديق الاقتراع لا تكفي وحدها لتسلم الحكم في تونس كما في مصر ، حيث يؤكد " صحيح أن الديمقراطية هي حكم الأغلبية، أو حكم العدد، لكنها سياسياً الديمقراطية مرتبطة بموازين القوى، أو هي " حكم موازين القوى". ولذلك، لا يكفي أن يحصل حزب على أغلبية الأصوات، أو يتصدر نتائج الاقتراع كي يصبح على رأس السلطة، وممارساً فعليا لها، بل يجب أن تكون قوته الانتخابية عابرة لكل القوى الوازنة في الدولة، في الاقتصاد، والمال، والاجتماع البشري، أما إذا كانت قوته عبارة عن تجميع أصوات لمن لا قوة لهم " العوام " أو الدهماء فإن ذلك لن يمكن الحزب الفائز بالقوة والاقتدار الضروريين لممارسة السلطة ".
قد يتحمل السيسي المسؤولتين المادية والمعنوية عن موت مرسي ، لكن دم الرجل يبقى في رقبة جماعة الإخوان المسلمين الذي قذفت به إلى معترك متلاطم الأمواج علما أنه لم يكن في 2011 إلا الخيار الثالث أمام الجماعة، وهو في الأخير مجرد ضحية تعطش أعمى للسلطة لم يراع مختلف جوانب المشهد المصري واكراهاته ، وبموته تكون مصر قد طوت رمزيا آخر أوراق ثورة 25 يناير 2011 بموت الرئيس المنتخب ديمقراطيا ليسدل الستار على حقبة من تاريخ مصر الحديث.

م.ش



دم مرسي في رقبة الجماعة قبل السيسي
رابط مختصر
21‏/6‏/2019 16:56
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء أسرة "الحرية تي في" وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.