أيها الفقراء : مات طبيب عيونكم...وداعا الدكتور أحمد كوزة

الحرية تي في - الحرية تي في آخر تحديث : 29‏/2‏/2020 12:04

20190619_110549.png (296 KB)

محمد الشمسي

أيها الطبيب...أيها الصديق...أيها الرفيق...الدكتور أحمد كوزة:
تُسلم اليوم الروح لبارئها حين جاء أجلها، وترقد في قبرك مخلفا صدمة في أعماقنا نحن أحبتك ومعنا مرضاك بالآلاف، الذين تسلقت الجبال، وعبرت الوديان، وقطعت الأميال، لعلاج عيونهم في قوافل طبية كنت تقودها بحب وطموح وتفان ولوجه الله وتحقيقا للإنسان داخلك واستجابة لرسالة الطب النبيلة ، التي كنت تشهد ألا رسالة للطب ما لم تكن من أجل عيون الإنسان...
أيها الصديق الوفي، أيها الجمعوي النقي، أيها النقابي المخلص:
عندما يسلب منا الموت إنسانا معطاء وخدوما ومنتجا ومتواضعا وبشوشا وصادقا حينها فقط نتأكد أن الموت مصيبة، بل نتحول كلنا إلى يتامى الصداقة ويتامى الألفة ويتامى أيامك الجميلة...
في مستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي ، كما في المستشفى الإقليمي ببنسليمان، كنت يا دكتور تشهر السيف في وجه المرض والألم، وتسعى إلى كشف الغمة عن عيون أهل البأس، ولا تهتم لروتين التسجيل في سجلات المستشفى، كنت تستقبل المرضى بكلمتك الطيبة، ومستملحاتك التي تخفف شيئا من آلامهم، ثم تعالج وتسلم الدواء لذوي الحاجة وأنت تقول :"هذا الدواء للفقراء" وتضيف " حنا خدامين عند هاد الناس ومع هاد الناس" وأنت تشير إلى أولئك الفقراء من رواد المستشفى الحكومي بالحي المحمدي...
كان صندوق سيارتك صيدلية متنقلة بالمجان، حتى عندما تقاعدت من الوظيفة الطبية، أنشأت الجمعية المغربية لمحاربة العمى، والتي كان لي شرف كتابتها العامة، وهِمْت في الأحياء الهشة وفي قلب المدن ، ثم خرجت إلى الضواحي متطوعا وزاهدا في "هم الدنيا" وما يأتي منها، تتعقب أمراض العيون من قصر النظر إلى التهاب الشبكية الصباغي إلى اعتلال الشبكية السكري إلى "الجْلالة" أو الكاطاراكت وغيرها من علل العين التي توجع المريض وتفقده الرؤية والبصيرة...
وحتى في نشاطك النقابي داخل مستشفى محمد الخامس وخارجه، كنت نقابيا ثائرا متمردا ضد الظلم والجور وتَحجُّر الإدارة وهي تلتف على حقوق الطبيب ...، ولم يكن ليوقفك تهديد بتنقيل أو يخيفك تلويح بعزل ولا يثنيك وعيد ب"شرع اليد"..
تموت اليوم بشموخ وسمو كما يموت الحكماء، وأنت الذي انشغلت بكشف أمراض الناس عن المرض الخبيث الذي ظل ينخر جسدك في غدر منه وصبر منك حد التحدي، مثل نخلة شاهقة باسقة معطاءة إلى أن سقطت سقوط الجبال في زوال ذلك الخميس الأسود ...
يا دكتور أحمد ...
إننا لا نفر من آجالنا، ولا نموت ناقصي أعمارنا..لكننا نُنتزع من وسط أحبائنا، فنروح إلى دار البقاء وهم خلفنا غارقون في الحزن، رحمك الله أيها الطبيب الفاضل التقي الشهم البطل، ورزقنا الله جميعا صبرا كثيرا في حجم ما يساورنا من ألم لا تكفينا معه الدموع...وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أيها الفقراء : مات طبيب عيونكم...وداعا الدكتور أحمد كوزة
رابط مختصر
29‏/2‏/2020 12:04
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء أسرة "الحرية تي في" وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.