الحركات الاحتجاجية بالمغرب : من الربيع الواقعي إلى الافتراضي

الحرية تي في - حفيظ زرزان آخر تحديث : 21‏/5‏/2018 21:07

 محمد البروكي

الحرية63.jpg (56 KB)

  - لا يماري اثنان كون الحركات الاحتجاجية بالعالم العربي . باتت تعيش على ايقاع تحولات على مستويين البنيوي والوظيفي . ما يجعلنا امام حاجة ملحة لفهم كيف ينتج هذا التحول ؟ و ما هي مساراته ؟ واتجاهاته ؟و ما هي الشروط الاجتماعية و التاريخية التي تحفزه على التحول ؟ للاجابة على هذه الاسئلة يجد الباحث نفسه امام ضرورة القبض على العدة النظرية, و الاستمساك بعروة المناهج العلمية , التي تجعله يسير في درب السؤال و المسألة لا لتوهيم نفسه باجابات جاهزة او الاستسلام للبديهيات العفوية ...


وقد تجلت العديد من التحولات في احتجاجات "الربيع العربي" او "الربيع الديمقراطي" الذي كسر المعايير التي كانت شرطا لقياس درجة نجاح اي ثورة، هذا ما صكته بعض القراءات و الفلسفات التي تنبش في كنه الثورة كقياس مدى تطابقها مع الثورات العظمى كالفرنسية والبلشفية ...فهذا الربيع يكاد يختلف مع هذه الثوارات جملة و تفصيلا، من خلال الخصائص التالية :


1- غياب قيادة حزبية او طائفية تقود الحراك... 
2- الشباب هم من يقودون هذا الحراك ...
3- الاعنماد على وسائل التواصل الاجتماعي ..
4- انسحاب المثقف و غياب فاعلية النخبة و دينامياتها ...
5- حضور مبدأ اللحظية ...


النتيجة المباشرة هي ان الثورات لم تعد تقاس بمنطق المقارنة مع الثورات العظمى بل اصبحت تقاس بمبدأ الكثافة "الحجم"، و مدى قدرتها على تحقيق مطالبها، فالمطالب هي من تنجب الثورة، و تحقيقها هو الضامن لنجاحها ...،اما اذا ما اردنا ان نتوقف عند المقاطعة التي يقوم بها المجتمع المغربي، من اجل ان يعرب عن استيائه من ارتفاع الاسعار و انخفاض القدرة الشرائية للمغاربة. فهذه المقاطعة عمت ثلاث منتوجات "حليب سنطرال" و المياه المعدنية خاصة "سيدي علي" و "محطات افريقيا لتسويق المحروقات"، بطرق جديدة تؤسس لتحول عميق مس بنيات الحركة الاحتجاجية بالمغرب فهذه المقاطعة جعلت من الفيسبوك و يوتوب و الواتساب و وسائل اخرى... اداة للتعبير عن احتقان اجتماعي عانى و يعاني منه المجتمع المغربي، هذه المقاطعة او ما يسميه مجموعة من الباحثين بالاحتجاج الناعم، ما هي ابرز معالمها يا ترى؟


1- تؤكد هذه المقاطعة على هروب الشعب المغربي من الفضاء العمومي، و الارتماء في احضان فضاء اخر، هو الافتراضي، و له ما يبرره : خصوصا العولمة و كذا الثورة التكنولوجية التي باتت تجعل من الفضاء العام مجالا يسلب الهوية و يجعل الافراد يحسون بالغربة، معطى اآخر هو القمع الذي يُمارس على المسيرات الاحتجاجية ...


2- غياب التأطير و ضرب مبدأ الوساطة، فالشعب المغربي لم يتوسل بالاحزاب السياسية ولا جمعيات المجتمع المدني و لا النقابات، يقومون بالمقاطعة بشكل فرداني تأكيدا على تراجع دور الاحزاب و الهيأت السياسية التي لم تعد تقوم بالادوار المنوطة بها كما اكد ذلك ملك البلاد ...


3- سؤال السلطة:  كانت حركة 20 فبراير من بين الاليات التي كسرت السلطوية بالمغرب هذا ما يجعل سؤال السلطة يبزغ بين الفينة و الاخرى ...


4- ارباك الخطاب الرسمي للحكومة التي لم تجد سوى عبارات حاملة لدلالات السب و الشتم ك "المداويخ" "اعداء الوطن " هذا الامر الذي جعل الخطاب الرسمي يوضع على محك النقد و السؤال.

 

في الاخير لا يمكن ان نعتبر المقاطعة سلوكا له اهداف محدودة او سلوكا مدفوعا من طرف جهة ما، بل هو انعطافة مفصلية في تاريخ تطور الفعل الاحتجاجي بالمغرب، باعتباره صرخة مجتمع يعاني من الاحتقان و الاقصاء فهذه التحولات التي تمس بنية الحركة الاحتجاجية بالمغرب تحتاج الى تكثيف الجهود العلمية لاماطة اللثام عليها و مسح اللبس علنها من اجل فهمها و الاحاطة بتلاببها و تفسير و تأويل مدلولاتها و خلق براديغمات رشيدة و صك مفاهيم علمية من اجل النبش في كنه هذه التحولات التي اطالت المتن الاحتجاجي بالمغرب و كذا اضفاء المعاني الثاوية خلف هذه السلوكات الاحتجاجية .

 



الحركات الاحتجاجية بالمغرب : من الربيع الواقعي إلى الافتراضي
رابط مختصر
21‏/5‏/2018 21:07
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء أسرة "الحرية تي في" وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.