تمرد الحكومة وانقلاب البرلمان على الأحكام القضائية

الحرية تي في - الحرية تي في آخر تحديث : 17‏/11‏/2019 19:22



20190619_110549.png (296 KB)

محمد الشمسي

في الوقت الذي يسير فيه المغرب بثبات ـ ولو ببطء ـ على مسار ترسيخ قيم دولة الحق والقانون، تعلن الحكومة تمردها على هذا المسار، وتقرر الصعود للجبل و قصف الدستور بصاروخ حكومي الصنع اسمه "المادة 9"، ينتمي لمنظومة القوانين المالية، حين تعمدت هذه الحكومة الدوس على روح الأحكام القضائية النهائية الصادرة ضدها، معلنة عصيانا علنيا، رافضة تنفيذ تلك الأحكام ، وقد حصنت الحكومة خندق تمردها بفقرة واضحة تمنع الحجز على أموال الدولة ومن يدور في فلكها من مؤسسات عمومية، ثم قدمت الحكومة وثيقة الانقلاب للبرلمان فلقيت من ممثلي الأمة تأييدا لها في خروجها على قواعد الدستور الذي منح للأحكام القضائية النهائية حجية واجبة النفاذ.
من الطبيعي أنه عندما يصبح الحكم نهائيا قطعيا باتا، فتنفيذه يصير ملزما، لأن العدالة لا تتحقق بمجرد صدور الحكم ونهائيته، بل بتنفيذه تنفيذا كاملا غير منقوص، فحين تعتدي الدولة على حق شخص سواء كان ذاتيا أو طبيعيا، ويقرر ضحيتها مقاضاتها أمام القضاء الإداري، تكون هذه الدولة ملزمة بالجواب على ادعاء خصمها وتبرير موقفها، فإن استصدر خصمها حكما قطعيا فالثابت أنه على الدولة أن تنحني لرياح القانون وتسدد ما عليها أصلا وفائدة وصائرا، لكن أن تستغل الحكومة إعدادها للقانون المالي فتحفر لها أنفاقا تهرب عبرها من تحمل المسؤولية، فهذا تمرد وعصيان قريبان من أعمال البلطجة والشبيحة، تقول من الحكومة للشعب"أنا ربكم الأعلى" كما قالها فرعون ، وعندما ينضم نواب الشعب إلى حكومتهم بدل انتصارهم إلى القانون والدستور، فهذا انقلاب متكامل الأركان على الشرعية الدستورية، وتصبح الحكومة ومعها برلمانها يمثلان شعبا آخر غير الذي انتخبهم، لأن الشعب الذي انتخبهم صادق على دستور يحث على استقلال السلط ، ويأمر بالامتثال لأحكام القضاء ، وتصبح السلطتان التنفيذية والتشريعية يمثلان رهطا من الانتهازيين الكسالى الذين يبحثون لتيسير سنوات مسؤوليتهم على رأس المؤسسات العمومية بعيدا عن تنفيذ احكام القضاء، ولا يعنيهم حجم الأذى الذي يلحقونه بكيان الدولة ، فلن نلوم مواطنين عاديين من تنفيذ احكام قضائية صادرة ضدهم ما دامت الحكومة تقود هذا الحران والجموح .
لماذا تمتنع الدولة عن تنفيذ الأحكام القضائية ولا تخجل من محاولة إضفاء الشرعية على تمردها؟، هل لأنها لا تملك الاعتمادات المالية للتنفيذ؟، فإن ساقها عديمو التجربة نحو الحاجة والعسر فكان حري بالحكومة أن تعلن إفلاس الدولة بدل جهرها بالكفر بالأحكام القضائية؟، ولماذا لم يسبق للحكومات السالفة أن اهتدت لهذا الهدي المضلل؟، ولماذا لم تأمر الحكومة بإعداد دراسة لتوضح سبب خسارة الدولة لجل ملفاتها المعروضة على القضاء الإداري؟، هل لأن الدولة تلج القضاء وهي "مايلة" بمعنى معتدية ومتعسفة ومغتصبة لحقوق خصومها؟، أم تخسرها لضعف في تكوين مؤسسة الوكيل القضائي التي تنبري للدفاع عن مصالح الدولة، وفي هذه الحالة يتوجب إلزام الدولة انتداب محامين أكفاء للدفاع عن مصالحها، لا أن تترك تلك المصالح بين يدي من لا يدري، أو بين يدي من لا يقدر الأشياء حق تقديرها، ألم يكن الأجدر بالحكومة أن تبحث لها عن مسطرة صلح بينها وبين خصومها قبل الخصومة امام المحاكم، تنتهي باقتراحها تعويضا أقل مما يمكن أن تحكم به تلك المحاكم كما تفعل شركات التأمين؟، ألم يكن الأجدر بالحكومة أن تخصص الاعتمادات المالية لتنفيذ الأحكام القضائية ضدها تعبيرا منها عن تقديرها للأحكام القضائية في إطار تحقيق مبدأ مساواة الجميع أمام القانون ولو تعلق الأمر بالدولة وجماعاتها الترابية؟.
تبا لحكومة تعطي الأسوة القبيحة في احترام القانون، وتبا لبرلمان يغني أغنية حكومته المشروخة ، سيحاسبكم التاريخ على تمردكم وانقلابكم، ألا إن موعدهم الانتخابات، أليست الانتخابات بقريبة؟.

تمرد الحكومة وانقلاب البرلمان على الأحكام القضائية
رابط مختصر
17‏/11‏/2019 19:22
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء أسرة "الحرية تي في" وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.