الحكومة تحكم على الأحكام القضائية بالإعدام

الحرية تي في - الحرية تي في آخر تحديث : 21‏/10‏/2019 19:14

20190619_110549.png (296 KB)

محمد الشمسي

لعلها من محاسن الصدف أو مساوئها أن يتصادف احتضان المغرب فعاليات الدورة الثانية للمؤتمر الدولة للعدالة ، مع إصدار الحكومة المغربية حكما يقضي بإعدام الأحكام القضائية في شكل الفصل 9 من قانون المالية لسنة 2020 الذي يسلب تلك الأحكام النهائية الموجه تنفيذها ضد الدولة كل هيبة وجلال، ويجعلها خاضعة لمزاج الآمر بالصرف ، إن شاء تواضع و نفذها ، وإن لم يشأ أرجأ التنفيذ إلى أجل غير مسمى تحت ذريعة "توفر الاعتماد "الذي قد لا يتوفر .

أن لا يقرأ أهل الحكومة فكر مونتسكيو في فصل السلط فذاك شيء وارد وطبيعي مادام السياسي أو الوزير أو حتى رئيس الحكومة نفسه في المغرب لا يشترط فيه أن يكون ملما بالفكر السياسي ، لكن أن لا يقرأ هؤلاء حتى الدستور الذي يجعل استقلال السلط عن بعضها عقيدة ، فهذا ينبؤنا بنوعية الوزراء ، وشكل الحكومة التي سلمناها رقابنا لتقودنا نحو الهاوية وهي تسير بنا إليها عن جدارة ...، الفصل 9 المشئوم ألحق بالأحكام القضائية عاهة مستديمة ، بل شرع في ذبحها ، ولم يبق له من وأدها سوى إتمام مراسيم المصادقة على المادة العار ، ودخولها حيز التنفيذ ليصبح قرار الآمر بالصرف أكبر من منطوق حكم قضائي نهائي و قطعي .

لا يعنينا الطعن في دستورية هذا الفصل من عدمه ، فحتما لهذه الغاية رجالها ونساؤها من أهل الخبرة والتجربة ، لكن ما يعنينا أن حكومة أرادت البحث لها عن متنفس مالي ، فلم تجد غير إعادة تدوير الأحكام القضائية النهائية الصادرة ضد الدولة، لتفتي بجواز الامتناع عن تنفيذها و"نظرة إلى ميسرة " ، وهي الميسرة التي تتحقق متى شاء الآمر بالصرف .

لعلها فضيحة بكل المقاييس ، حكومة تمثل السلطة التنفيذية تهاجم السلطة القضائية وتُقَطع أحكامها وتُحَرض على عدم تنفيذها ، وتكبر المصيبة وتتعاظم عندما نعلم أن المنفذ عليه هي الدولة المغربية بجلال قدرها وإمكانياتها ، تلك الدولة التي انتدبت لها دفاعا ، وسلكت لها مساطر ، وقطعت كل مراحل التقاضي ، فخسرت القضية ، وصدر حكم قضائي نهائي قطعي يلزمها بالأداء ، فسنت حكومتها فصلا يضفي الشرعية على امتناع الدولة عن تنفيذ الاحكام ، وتحريم الحجز على ممتلكاتها، وهي الصيغة التي أنهى بهاالفصل 9 المشؤوم فقرته الأخيرة بالقول " غير انه لا يمكن باي حال من الاحوال ان تخضع امول وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية " ، ترى كيف للمواطن العادي ان يمتثل لأحكام القضاء وهذه الدولة تتزعم أعمال البلطجة ضد تلك الاحكام ؟ ، فهل هناك من سيبة أو تسيب ،أو من تغول أو استبداد أكثر من هذا ؟.

تبّت يدا هذا الكائن الحي الذي يعيش في جسم الحكومة وتب ، الذي وسوس له خناسه بتضمين قانون المالية لسنة 2020 هذا الفصل الشاذ ، ربما يعتقد هذا المعتوه أنه قدم خدمة للدولة ، حين قطع وريد الحكم القضائي النهائي ، وتركه ينزف ، فلا خير في مسؤولين في دولة يجعلونها تهين احكام قضائها ، ولا خير في وزراء يلعبون دور قطاع الطرق فيعترضون سبيل الأحكام القضائية للانتقام منها ، بعدما خسروا القضية امام المحاكم بكل درجاتها ، وختاما لا رجاء في حكومة تقترض لتسديد ديونها ، وتحقر أحكام قضاتها لتوفر تقاعدا لوزرائها .

الحكومة تحكم على الأحكام القضائية بالإعدام
رابط مختصر
21‏/10‏/2019 19:14
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء أسرة "الحرية تي في" وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.